بعض الاضطرابات الجنسية قد تنتج عن عدم التوافق الزواجي، وتكون دلالة على وجود خلافات زوجية عميقة تنعكس على الأداء الحميم، الأمر الذي يستوجب العلاج للعلاقة المضطربة بأسلوب علمي بعيداً عن «النصائح الخطيرة»، التي تؤدي إلى نتائج كارثية، تزيد الأمر تعقيداً، وتؤدي إلى الوقوع في أمور لا يمكن أن يقبلها الدين أو العرف الاجتماعي.
الموضوع الذي سنطرحه للنقاش يعدّ من المواضيع الشائكة، والمتداخلة الجوانب النفسية والاجتماعية والدينية. وسنركز هنا على الجانب الطبي النفسي فقط، أما الجانب الديني فالحلال بيِّن والحرام بيِّن. ويجب التذكير دائماً بأن العلم والدين لا ينفصلان في حياة الإنسان المؤمن.
الحالة:
رسالة وصلتني من شاب، رمز لنفسه باليائس. يقول إنه وعلى الرغم من أننا نخاطب المرأة ونتعامل مع مشكلاتها إلا إنه قرر أن يطلب المشورة الطبية؛ لعله يستطيع أن يجد حلاً لمعاناته من دون أن يتعرض للمهانة أو الإيذاء إذا أفصح عن هويته.
مشكلته بدأت من السنة الثانية بعد الزواج، وبعد ولادة طفله الأول، بدأ يلاحظ أنه وعلى الرغم من عدم معاناته من أي أمراض عضوية إلا إنه بدأ يفقد الانتصاب في كل مرة يحاول ممارسة العلاقة الحميمة مع الزوجة. ويضيف «أن هذه العلاقة كانت جيدة في بداية الزواج، وحتى التجارب الخاصة قبل الزواج» ويقول حاول أن يجرب عدة طرق، مثل الإثارة الذاتية، ووجد أن الاستجابة لديه طبيعية، ثم يحاول التواصل مع الزوجة إلا إن المشكلة تعود مرة ثانية، الأمر الذي اضطره لمراجعة بعض الأطباء، وأجريت له العديد من الفحوصات، وكانت كلها سليمة ما عدا ارتفاعاً بسيطاً في الكوليسترول، والذي نصحه الطبيب بالحمية الغذائية؛ لتقليل الدهون في الطعام.
الناحية الجنسية مع الزوجة لم تتحسن؛ ما جعله يستشير أحد الأصدقاء المقربين، والذي أشار عليه بأن يجرب نفسه مع أخرى. ويقول هنا وقع المحظور؛ فعلى الرغم من أن أدائي الحميم كان أكثر من جيد إلا إنني شعرت بالخوف من عقاب الله، وتبت توبة نصوحة، وطلبت من زوجتي أن تسامحني من دون أن أوضح لها الأمر، وفعلاً قالت إنها سامحتني.
أرجوك دكتورة لا تنظري لي على أنني إنسان مستهتر أو غير مسؤول، فأنا أرغب بأن أعيش حياة جنسية مستقرة بالحلال مع زوجتي، التي تعاملني كأنني طفلها، ولعل فارق العمر يساعدها على ذلك؛ فهي تكبرني بحوالي 7 سنوات، وتحرص على تدليلي، وتهتم بكل أموري إلى درجة أنني أشعر أنها أمي. وبالتأكيد لا يجب أن أقابل مثل هذا العطاء بالخيانة. أرجوك ساعديني؛ حتى أعرف ماذا يحدث لي، وكيف أسعد زوجتي.
الإجابة:
الأخ الفاضل: أرجو أن تبدأ أولاً عند قراءة الإجابة بأن تكون أكثر تفاؤلاً وآملاً بتغيير الاسم الذي اخترته لنفسك: اليائس، تفاءلوا بالخير تجدوه.
ثانياً: مشكلة عدم القدرة على الممارسة الجنسية، والتي تعرف بحالة الضعف الجنسي، تعد من المشكلات التي يرفض الرجل التحدث عنها حتى مع طبيب الأسرة، وعادة ما يلجأ لطلب النصيحة إما من أحد الأصدقاء المقربين جداً وإما من أحد العاملين في مجال التداوي بالأعشاب، وفي حالات أخرى يلجأ الرجل إلى الصيدلية لطلب أدوية المقويات الجنسية من دون معرفة التشخيص الصحيح للحالة، ولا يلجأ إلى الطبيب المختص إلا بعد فشل كل الطرق السابق ذكرها.
ثالثاً: أعتقد من خلال عرضك للمشكلة ومن دراسة نتائج التحاليل التي ذكرتها، خاصة مستوى الهرمونات في الجسم وقياس نسبة الانتصاب للعضو الذكري، أن أساس المشكلة ليس نتيجة إصابة عضوية، وإنما هي حالة من الضعف الجنسي والوظيفي المحدد، نتيجة خلل في العلاقة الزوجية، وكيفية التفاعل اليومي مع الزوجة. وهو ما يعرف أيضاً بالضعف الجنسي النفسي، والمرتبط بمواقف محددة. وعادة ما يتم تأكيد التشخيص من خلال عاملين مرتبطين ببعضهما بعضاً:
1- الأول هو التاريخ الطبي للحالة، حيث يجد الزوج أن لديه القدرة على الانتصاب التلقائي في الصباح عند الاستيقاظ من النوم، وأثناء الاحتلام أو الإثارة الجنسية، ولكن لا يتمكن من الانتصاب أو يكون غير كافي أثناء العلاقة الحميمة مع الزوجة.
2- تكون نتائج الفحوصات السريرية والمختبرية كلها في الحدود الطبيعية، خاصة مقياس القدرة على الانتصاب الليلي للعضو التناسلي وهو ما يعرف بـ(Nocturnal penile tumescence)
مثل هذه الحالات تصيب عدداً من الأزواج، وكما قلت سابقاً قد يلجأ البعض منهم إلى تجربة قدراته الخاصة بطريقة غير مقبولة بل ومحرمة وضارة، ما يؤدي إلى تعقيد المسألة؛ نتيجة الشعور بالذنب لديه، والذي يولد قلقاً وتوتراً يزيد من مسألة الضعف الجنسي لديه.
في حالتك ذكرت عبارة عارضة من دون أن تنتبه لها، وهي أنك تشعر بأن زوجتك تعاملك كالطفل المدلل، الأمر الذي له مدلول نفسي سلبي على نوع العلاقة الحميمة، وقد ذكرت أنها تكبرك بعدة سنوات، وهنا أود أن أطرح عليك سؤالاً مهماً عن مدى تأثير هذا الفارق العمري على تقبلك للزوجة.
وأنصحك بالتوقف عن استخدام أي منشطات جنسية، والتركيز على ما يأتي:
1- تغيير المفاهيم المرتبطة بالأمور الزوجية بينكما، مثلاً أن تبدأ في المشاركة في الاعتناء بأمور الأطفال والبيت، مع التدريب على الحوار الزوجي غير المرتبط بالناحية الجنسية.
2- الاهتمام بفترة المداعبة قبل الجماع، والعمل على تحسين هذه العلاقة التي تعمل على تقوية الإثارة الجنسية عند الزوجين.
3- تخلص من فكرة احتمال الفشل والتعود على التفكير الإيجابي، وإذا لم تتمكن من ذلك يمكن الاستعانة بأحد المختصين في مجال الصحة النفسية الجنسية.
4- يجب أن تدرك أن الاستعانة بطرق غير مقبولة ومحظورة دينياً وأخلاقياً لن تحل المشكلة بل ستزيدها تعقيداً.
5- تؤكد الدراسات الاجتماعية أن الزوجة تتفهم في معظم الحالات ما يعاني منه الزوج، بل وتكون عاملاً إيجابياً مساعداً في تحسين الأداء الحميم بصورة أكثر مما يتوقعه الزوج.
جدة - د. منى الصواف
0 التعليقات :
إرسال تعليق